تعريف الماسونية: الجذور، الرمزية، والتأثير

هل تعلم أن كلمة “الماسونية” تحمل في طياتها سرًّا عمره قرون؟ سرٌّ بدأ بين حجارة الكاتدرائيات العتيقة، وانتهى إلى صالونات الفلاسفة وقاعات الثوار! إنها ليست مجرد جمعية سرية تُحيط بها نظريات المؤامرة، بل هي ظاهرة ثقافية تختزل تاريخًا من الرمزية والصراع بين البناء المادي والفكري. فدعونا ننقب معًا عن جذور هذه الكلمة التي أثارت الفضول والريبة، كمن يفتح صندوقًا قديمًا ليُفاجأ بلمعان الماس بين الغبار!
أصل كلمة “الماسونية”: من البنائين إلى الرمزية
أترى هذا الحجر المنحوت بإتقان في كنيسة نوتردام؟ إنه شاهد على المهد الأول للماسونية! فالكلمة ذاتها تُشتق من “Mason” الإنجليزية، و”Franc-maçonnerie” الفرنسية، أي “البناؤون الأحرار”. لكن ما سر هذه التسمية؟ لقد كانت نقابات البنائين في العصور الوسطى حِرَفية مغلقة، تحرس أسرار هندسة الحجر ككنزٍ ثمين. كانوا رجالاً يحملون مطرقةً في يد، وفرجارًا في الأخرى، يبنون الصروح العظيمة ويُخفون رموزًا رياضية في زخارفها!
لكن، متى تحول هؤلاء البناؤون من حَملة الحجارة إلى حَمَلة الأفكار؟ في القرن الثامن عشر، حين التقت أيديهم بأقلام الفلاسفة، فتحولت المطرقة من أداة نحت الحجر إلى رمز لبناء الإنسان. وهكذا وُلدت الماسونية الحديثة: ورشة فكرية تبحث عن الحقيقة بين ضجيج العالم!
مفهوم الماسونية: بين الحرف والأفكار
تخيل نفسك في قاعة ماسونية قديمة: جدرانها مُزينة بفرجارٍ عملاق، وأرضيتها مرصوفة ببلاط أبيض وأسود كصراع النور والظلام! هنا، تتحول أدوات البناء إلى مبادئ:
- الزاوية القائمة: رمز الاستقامة الأخلاقية.
- المِسطرين: دعوة لتنحية الجهل بنعومة، كمن يسوي حجرًا خشنًا.
- العين التي ترى كل شيء: ليست “عين الشيطان” كما يُشاع، بل رمز لضمير الإنسان الذي يراقب نفسه!
ولكن، كيف تُدار هذه “الورشة الفكرية”؟ إنها هرمٌ من الدرجات: مبتدئٌ يتعلم فنون التواضع، مرشحٌ يجتاز اختبار الظلام ليفهم معنى النور، ومعلمٌ يصير حكيمًا كسقراط! أما الطريف أن الماسونية الإنجليزية تختلف عن الفرنسية كاختلاف الشاي عن القهوة: الأولى محافظة تُصلي في المحافل، والثانية علمانية تُناقش فولتير!
معنى الماسونية في التاريخ والثقافة
“كل الرجال إخوة تحت عين الكون العظيمة!” هكذا ردد الماسونيون شعارهم، فكانوا وقودًا لثورات حررت الإنسان من أغلال الاستبداد. هل تعلم أن جورج واشنطن أدى اليمين الرئاسية على كتاب ماسوني؟ وأن موتسارت ألّف أوبرا “الناي السحري” مليئة بالرموز الماسونية؟ بل إن الملك حسين بن طلال كان يرتدي مئزر البنائين في محافل عمّان!
أما الأدب، فها هو دان براون ينسج من رموزهم لغزًا في رواية «الرمز المفقود»، وكأن الماسونية بئرٌ لا قعر لها: كلما ألقيت فيها حجرًا، ارتدَّ إليك صدى أسئلةٍ جديدة!
دلالات الماسونية: بين الواقع والأساطير
لطالما سُئلت: لماذا تُتهم الماسونية بالسيطرة على العالم؟ ألعلَّهم يخفون خطة شريرة تحت قبعتهم؟ الحقيقة أن سرّيتهم أطلقت العنان للخيال. انظر إلى الدولار الأمريكي: “العين في الهرم” ليست مؤامرة، بل رمز ماسوني للعقل الكوني!
لكن، لننصفهم: لقد بنوا مستشفياتٍ لعلاج العمى، وأسسوا مدارس في أقاصي الأرض، وكأنهم يقولون: “نحن بناؤون، لا مدمرون!” أما الباحثون فينتقدونهم: “لماذا السرية؟ أتخشون النور؟” فيرد الماسوني: “السرية تُشبه الغلاف الذي يحمي جوهر الكتاب!”
الماسونية اليوم: هل ما زالت مؤثرة؟
هل تعتقد أن الماسونية انقرضت كالديناصورات؟ احذر، فعدد أعضائها اليوم 3 ملايين! في لندن، تجد محافلَ يرتدي أعضاؤها بذلاتٍ من القرن الثامن عشر، بينما في نيجيريا، تنتشر الماسونية كالنار في الهشيم! لكن أوروبا تشهد تراجعًا، وكأنما الحداثة قضت على سحر الأسرار.
وإذا أردت مراجعَ موثوقة، فاقرأ كتاب “الماسونية في العالم العربي” للدكتور عبد الله النفيسي، أو زُر موقع “المحفل البريطاني العظيم”، حيث تُجيب السلالمُ الحجرية عن أسئلتك بصمت!
الخاتمة:
أخيرًا، أيها القارئ، الماسونية ليست “شيطانًا” ولا “ملاكًا”، بل مرآةٌ تعكس تناقضات الإنسان: خوفه من المجهول، وشغفه بالرمز، وحنينه إلى الأخوّة. ربما لو التقى بنّاء العصور الوسطى بماسوني اليوم، لقال له: “لقد حوَّلتم الحجارة إلى أفكار!” فيرد عليه: “بل حوَّلنا الأفكار إلى عالم!”
المراجع:
- Mackey, Albert G. (1873). A New Encyclopedia of Freemasonry.
- الموقع الرسمي للمحفل الماسوني البريطاني (UGLE).
أقدم مخطوط ماسوني يعود لعام 1390م!
الفرجار والزاوية يظهران على شعارات جامعات عريقة كهارفارد.