تعريف الثورة: جولة بين جذور الفوضى وأجنحة التغيير

هل سمعتَ يومًا صوتَ ثورةٍ ؟! إنها أصواتُ ملايين الشهداء الذين سقطوا تحت عجلاتِ التاريخ، وأصواتُ الناجين الذين يحملون جمرَ الذكريات. الثورةُ ليست حدثًا، بل هي روايةٌ ترويها الشعوبُ بلهجاتٍ مختلفة: ففي فرنسا كانتْ دماءً على المقصلة، وفي الهند سلامًا تحت أشعة الشمس، وفي أوكرانيا نيرانًا تلتهمُ الثلوج. فلنبدأ الرحلةَ من جذر الكلمة، حيثُ تُخبئُ اللغةُ أسرارَ الثورة قبل أن تُولد.
الفصل الأول: أصل الكلمة.. نارُ الحروف التي أحرقت التاريخ
حين نفتح “مقاييس اللغة” لابن فارس، نجد جذر “ث-و-ر” يحملُ في أحشائه نارًا لا تنطفئ:
- ثار الماءُ: غَلَى حتى كاد يَفور.
- ثار الرجلُ: اشتعل غضبًا كالبركان.
- ثارت الحربُ: امتدَّ لهيبُها كالوباء.
لكنَّ العربَ الأوائلَ لم يربطوا هذا الجذرَ بالسياسة، بل وصفوا به هَيَجانَ الطبيعة! حتى جاء ابن خلدون في القرن الرابع عشر ليُطلقَ مصطلح “ثورة العصبية”، واصفًا انتفاضةَ الجماعات ضدَّ الظلم. أما في اللاتينية، فكلمة Revolutio تعني “دورانَ النجوم”، وكأن الثورةَ قدرٌ سماويٌّ لا مفرَّ منه!
الفصل الثاني: الثورة في عيون الفلاسفة.. حين تتحول الكلمات إلى قنابل
حاول الفلاسفةُ تقييدَ الثورةِ بتعريفاتٍ، لكنها ظلَّتْ تهربُ كالهواء:
- جان جاك روسو: “الثورةُ صرخةُ الطبيعةِ حين يُنتهك العقد الاجتماعي”.
- كارل ماركس: “هي قاطرةُ التاريخ، لكنها تسحقُ مَن يقفُ على سككها”.
- فرانز فانون: “الثورةُ عمليةُ تطهيرٍ عنيفةٍ للمجتمع”.
لكنَّ الثورةَ ترفضُ أن تكونَ نظريةً! فهي كالطوفان: تبدأ بقطرةِ غضبٍ، وتنتهي بغسلِ تاريخٍ بأكمله.
الفصل الثالث: الثورة الفرنسية.. حين أكلت الحريةُ أبناءَها
في 14 يوليو 1789، اقتحمَ الجياعُ سجن الباستيل بحثًا عن المعتقلين، لكنهم وجدوا سبعةَ سجناءٍ فقط! هكذا بدأت الثورةُ الفرنسيةُ بخطأٍ تاريخي، لكنها انتهت بتغيير العالم:
- من التنوير إلى الإرهاب: بدأت بأفكار فولتير عن الحرية، وانتهت بمقصلة روبسبير التي ذبحت 17 ألفًا!
- مفارقةٌ دموية: الملك لويس السادس عشر دعمَ الثورةَ الأمريكية، لكن الثورةَ الفرنسيةَ أكلته!
الفصل الرابع: الثورة البلشفية.. الحلم الأحمر الذي تحول إلى كابوس
في ليلةٍ واحدة (أكتوبر 1917)، سرقَ لينين السلطةَ من الثوار الحقيقيين!
- الوعد الكاذب: “أرضٌ للفلاحين، خبزٌ للعمال”، لكن الأرضَ صودرت، والخبزَ نضب.
- الخيانة: تروتسكي، مهندسُ الثورة، اغتاله ستالين بدم بارد كالثلج!
- النهاية المأساوية: تحولت “دكتاتورية البروليتاريا” إلى دكتاتوريةِ حزبٍ واحد، ودفع الشعبُ الثمنَ!
الفصل الخامس: الثورات العالمية.. دروس من شرق وغرب
1. الثورة الأمريكية (1776): حين انتصرَ الفلاحون على الإمبراطورية
بدأت باحتجاجٍ على ضريبة الشاي، وانتهت بتأسيس أول ديمقراطيةٍ حديثة. لكنها أيضًا أسستْ لنظامٍ استعبَدَ السودَ قرنًا آخر!
2. الثورة الإيرانية (1979): من الشاه إلى ولاية الفقيه
خرج الإيرانيون يهتفون ضد دكتاتورية الشاه، لكنهم سقطوا في فخِّ ثيوقراطيةٍ أكثرَ قمعًا. الثورةُ التي وُلدتْ من المساجد، انتهت بسجنِ النساء تحت الحجاب!
3. الثورة المخملية (تشيكوسلوفاكيا 1989): حين أسقطت الأغاني الشيوعية
ثورةٌ بلا دماء! طلابٌ يحملون الزهور، وفنانون يعزفون الموسيقى، حتى انهار الحزب الشيوعي كقلعةٍ من ورق. لكنها أيضًا علمتنا أن الثورةَ الهادئة قد تُنتجُ فسادًا جديدًا!
الفصل السادس: هل يمكن صناعة الثورة؟ أم هي كالزلزال لا يمكن التنبأ بها ؟
نظرية “كرين برينتون”: الثورةُ كالمرض!
في كتابه “تشريح الثورة”، قارن المؤرخ الأمريكي الثوراتِ بالحمى:
- المرحلة الحادة: تراكم السخط.
- الهذيان: العنف والفوضى.
- النقاهة: عودة النظام بوجوهٍ جديدة.
نظرية “ثيدا سكوكبول”: الثورةُ ابنةُ الضعف
ترى أن الثوراتِ لا تبدأ بإرادة الشعب، بل بانهيار الدولة، كما حدث في الإمبراطورية الروسية بعد الحرب العالمية الأولى.
الخاتمة: الثورةُ.. هل هي لعنةُ الماضي أم بذرةُ المستقبل؟
أيتها الثورة، يا من تلبسين ثوبَ التحرير تارةً وثوبَ الدمار تارة!
هل أنتِ لعنةٌ على البشر، أم أن البشرَ لعنةٌ عليكِ؟
ربما تكون الإجابة في كلمات المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا: “الثورةُ كالشجرة العطشى، ترويها دماءُ الأبرياء”. لكن السؤال يبقى: هل الشجرةُ ستُثمرُ حريةً أم ستظلُّ عطشى إلى الأبد؟
مراجعُ :
- “تشريح الثورة” – كرين برينتون (مقارنة الثورات بالمرض).
- روسو والثورة تاريخ الحضارة في فرنسا، وإنجلترا، وألمانيا
- وثائق ويكيليكس حول الثورة الإيرانية.
كُتِب هذا المقال لِيُذَكِّرَكَ أن الثورةَ ليست حدثًا.. بل هي سؤالٌ يطارِدُ الإنسانيةَ منذ الأزل!