المصطلحات

الحشاشين: تعريفهم، أصل التسمية، ودلالاتهم التاريخية والثقافية

هل سمعتَ يومًا عن جماعةٍ أُلبِسَتْ ثوبَ الأسطورة حتى اختلطت حقائقُها بخيالِ الناس؟ هل تعلم أن كلمة “الحشاشين” التي تُطلق اليومَ على بعض المارقين، كانت يومًا عنوانًا لفرقةٍ سريةٍ هزَّت عروشَ الملوك؟ بل هل تساءلتَ: لماذا ارتبطت هذه الكلمة بالحشيش، بينما يقولُ بعضُ المؤرخين إنها “كذبةٌ تاريخية” نسجها الأعداء؟!
إنها قصةٌ تبدأ من قلعةٍ شامخةٍ في جبال إيران، وتمرُّ بمؤامرات السياسة، وتنتهي بألعابٍ إلكترونيةٍ حديثة! فتعالَ معنا في رحلةٍ نكشفُ فيها الغموضَ عن “الحشاشين”، من أصلِ التسميةِ إلى دلالاتِها التي ما زالت تُحيِّرُ العقولَ حتى اليوم.


الفصل الأول: أصل الكلمة… بين الحشيش والفقراء!

اللغز الذي حيَّر المؤرخين

حين تسمع كلمة “حشاشين”، يخطرُ لكَ فورًا ذلك النباتُ المخدرُ الذي يُغيِّبُ العقل. لكن ماذا لو أخبرتكَ أن هذه الصلةَ قد تكونُ كذبةً مُلفَّقة؟!
تقولُ الروايةُ الشائعةُ إن أتباعَ “الحسن الصباح” – زعيمِ الفرقةِ الإسماعيليةِ النزاريةِ في القرن الحادي عشر – كانوا يُسقَون الحشيشَ في حدائقَ مُخدَّرةٍ قبل تنفيذِ عملياتِهم الفدائية. لكنَّ المؤرخَ البريطانيَّ برنارد لويس يُفنِّدُ هذا الزعمَ في كتابه “الحشاشون: فرقة ثورية في الإسلام”، قائلاً: “إنها أسطورةٌ نشأتْ من تشويهِ الخصومِ، فكيف يُعقلُ أن يُديرَ مقاتلٌ مُحنَّكٌ عملياتٍ دقيقةً وهو تحت تأثيرِ المخدر؟!”.

أصلٌ فارسيٌّ أم عربيٌّ؟

هنا تبرزُ نظرياتٌ أخرى: فالكلمةُ قد تكونُ مُشتقةً من “حَشّاشين” الفارسية، التي تعني “الفقراءَ” أو “البسطاءَ”، في إشارةٍ إلى زهدِ أتباعِ الحسن الصباح. أو ربما من “حَشَّاش” العربيةِ بمعنى “جامعِ الأعشاب”، وهم الفلاحون الذين شكلوا قاعدةَ الجماعة. لكن أيًّا كان الأصل، فالثابتُ أن الكلمةَ تحوَّلتْ إلى سلاحٍ في معركةِ التشويهِ التاريخي!


الفصل الثاني: الحشاشون… بين الواقع المظلم والخيال المُلهم

مفهوم الحشاشين في عيون أعدائهم

وصفَهم المؤرخُ ابن الأثير في “الكامل في التاريخ” بأنهم “ملاحدةُ الضلال”، بينما وصفَهم الجويني – الذي زارَ قلعةَ آلموت بعد سقوطها – بأنهم “عبدةُ الشيطان”. لكن أليسَ من الغريب أن نكتشفَ اليومَ – من خلال نقوشِ القلعةِ نفسِها – أنهم كانوا يؤمنون بتأويلاتٍ باطنيةٍ للقرآن، ويُصلُّون ويصومون كغيرهم من المسلمين؟! لقد نجحَ خصومُهم في تحويلِ اختلافِهم المذهبيِّ إلى وصمةِ “كفر”، وكأن التاريخَ يعيدُ نفسَه في كلِّ صراعٍ عقائدي!

أسطورةٌ غربيةٌ تلدُ ألعابًا وأفلامًا

يا لهولِ المفارقة! فبينما دمغَ المؤرخون العربُ الحشاشينَ بـ”الإرهاب”، نقلَ الصليبيون قصصَهم إلى أوروبا، حيث تحوَّلت الكلمةُ إلى Assassin، وأصبحتْ مرادفًا للقتلِ الخفيِّ. بل إن الكاتبَ الإيطاليَّ ماركو بولو نسجَ حولهم خرافاتٍ عن “جنَّةٍ مزيفةٍ” يُغرِي بهم الزعيمُ أتباعَه! وهكذا، أصبحوا أبطالَ رواياتٍ مثل على مرتفعات ويذرنج، وملهمي سلسلة ألعاب Assassin’s Creed الشهيرة، التي حوَّلتْهم – بسخريةِ القدر – إلى أبطالٍ شُرفاءَ يحمون العدالةَ!


الفصل الثالث: الحشاشون اليوم… صورةٌ مشوَّهةٌ أم إرثٌ مُعادٌ اكتشافه؟

معنى الحشاشين في الإعلام العربي: تشويهٌ مستمرٌّ؟

تمرُّ على مسمعِك كلمة “حشاشين” في نشراتِ الأخبارِ فتُصابُ بالحيرة: هل هم متعاطو المخدرات؟ أم الإرهابيون؟ أم أن الكلمةَ فقدتْ هويتَها كليًّا؟! في الواقع، يُسقطُ الإعلامُ المعاصرُ – بغيرِ وعيٍ – دلالةً تاريخيةً مشوَّهةً على جماعاتِ العنف، وكأننا لم نتعلمْ من دروسِ الماضي!

إعادةُ اكتشافِ الحشاشين في الأكاديميا: حركةٌ سياسيةٌ أم عقائديةٌ؟

يُجادلُ الباحثُ فاروق فوزي في كتابه “الحشاشون: فرقة ثورية في التاريخ الإسلامي” بأنهم لم يكونوا “قتلةً” بالمعنى الحديث، بل حركةً مقاومةً ضدَّ السلطةِ السلجوقيةِ المتسلطة. فعملياتُهم – التي استهدفتْ قادةً عسكريينَ وسياسيينَ – كانت أشبهَ ب”إستراتيجيةِ الضربةِ الجراحيةِ” لتحقيقِ أهدافٍ سياسية! أليسَ هذا ما تفعلهُ دولٌ عظمى اليومَ بغطاءٍ “مشروعيةٍ دوليةٍ”؟!


الخاتمة: هل نصنعُ “حشاشين” جُددًا؟

ها نحن نصلُ إلى نهايةِ الرحلة، لكن الأسئلةَ تبقى: كم من جماعةٍ تاريخيةٍ ظُلمتْ باسمِ الدينِ أو السياسة؟ وكم من كلمةٍ تحملُ بين حروفِها دماءَ الأبرياءِ وأكاذيبَ المنتصرين؟
إن “الحشاشين” لم يختفوا، بل تحوَّلوا إلى فكرةٍ تُطارِدُ ضميرَ الإنسانية: فكلُّ عصرٍ يخلقُ “حشاشيه” الخاصين، يُلبسهم أقنعةَ الشرِّ أو البطولةِ حسب هواه! فهل نعي الدرسَ اليوم؟ أم سنظلُّ نعيدُ كتابةَ التاريخِ بحبر التحيزِ والأوهام؟!


مراجع المقال:

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى