المصطلحات

تعريف القرآن: رحلةٌ في أعماق الكلمة والمعنى والقداسة

مَن ذا الذي يستطيع أن يُمسك بسرٍّ من أسرار السماء، أو يحيط بجوهرةٍ ألقاها الله إلى البشر؟ إنه القرآن، الْمُعْجِزَة الخالدة التي ما فتئت تُغذي العقول، وتُحيي القلوب، وتُعيد تشكيل الحضارات. لكن كيف نُعرِّف هذا الكتاب الذي لا تُدرك عظمته التعريفات؟ وهل يكفي أن نقول إنه “كلام الله” أم أن في ثنايا الكلمة أسرارًا لغويةً وفلسفيةً تنتظر مَن يكشفها؟ هنا، حيث يلتقي اللغوي بالعالم، والمُثقف بالطالب، نغوص في تعريف القرآن: أصله، معناه، ودلالاته التي لا تنفد.


1. الأصل اللغوي لكلمة “القرآن”

“قَرَأَ: الجذر الذي حمل العالم بين حروفه”

لو عُدنا بالزمن إلى الجذر الثلاثي “قَرَأَ”، لوجدنا أنفسنا أمام معنىً يختزل جوهر القرآن: الجمع والقراءة. فالعرب تقول: “قَرَأْتُ الماء في الحوض” إذا جمعته، و”قَرَأْتُ الكتاب” إذا تلوته. وهكذا، فإن القرآن – كما يرى الإمام الزجاج – هو “المجموع من العلم والقصص والأحكام”، أو “المقروء بكثرةٍ لفرطِ اشتماله على الحِكَم”.

ولم تكن الآية الكريمة: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ (القيامة: 17) إلا تأكيدًا لهذا الثنائي العجيب: الجمع في الصدور، والتلاوة على الألسن. فكأن الاسم نفسه يُعلن أنه كتابٌ لا يُفهم إلا بقلبٍ يجمع حروفه، ولسانٍ يتلو آياته.


2. التعريف الاصطلاحي للقرآن

“كلام الله: حين تتحول الكلمة إلى عقيدة”

إن تعريف القرآن عند أهل السنة والجماعة – كما صاغه الإمام الشافعي – ليس مجرد عبارةٍ تتردد، بل هو حصنٌ يحمي عقيدة الأمة: “كلام الله المنزل على النبي محمد ﷺ، المُتعبَّد بتلاوته، المُنقول إلينا بالتواتر، المُعْجِز بأقصر سورة منه”.

لكن ما الفرق بينه وبين الحديث القدسي؟
لننظر إلى هذا الجدول الذي يزيح اللبس:

القرآنالحديث القدسي
لفظه ومعناه من اللهمعناه من الله، ولفظه من النبي
يُتعبَّد بتلاوته في الصلاةلا يُقرأ في الصلاة
معجزةٌ خالدةليس بمعجزة

وهكذا، يصبح القرآن وحده – دون سواه – “الكلمة الإلهية” التي لا يَمَسُّها تحريف، ولا يعتريها نسيان.


3. خصائص القرآن الكريم

“الإعجاز: السِّر الذي لم يُحَلَّ منذ 14 قرنًا”

لو أن القرآن نزل على جبلٍ لرأيته خاشعًا يتصدع، لكنه نزل على القلوب فأنبت فيها حدائقَ من الأسرار. ومن هذه الخصائص:

  1. الإعجاز اللغوي: لقد تحدى الله العرب – أساطين البيان – أن يأتوا بسورةٍ من مثله، فلم يستطيعوا، رغم أن الآية نزلت في زمنٍ “يُعلِّمون البلاغة كما يُعلِّمون الرماية”.
  2. الحفظ الإلهي: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9). فها هو القرآن اليوم يُتلى كما نزل، بينما اندثرت نصوصٌ كتبها بشرٌ بأيديهم.
  3. الصلاحية لكل زمان: قوانين المواريث، أحكام التجارة، آداب الحرب – كلها نصوصٌ تُثبت أن القرآن ليس كتابَ زمنٍ واحد.

جدولٌ يُقارن القرآن بالكتب السماوية:

القرآنالتوراةالإنجيل
محفوظ بالنص واللفظمُحرَّف حسب النقد التاريخيأناجيل متعددة
ناسخ لجميع الشرائعخاص ببني إسرائيلخاص بزمن المسيح

4. الأسئلة الشائعة عن القرآن

“هل يُختصر القرآن في سطور؟”

س: ما هو تعريف القرآن الكريم باختصار؟
ج: هو كلام الله المُنَزَّل على محمد ﷺ، المُعْجِز بلفظه، المُتعبَّد بتلاوته، المُحفوظ من التبديل.

س: كيف جمع الصحابة القرآن؟
ج: في عهد أبي بكر الصديق، بعد معركة اليمامة التي استُشهد فيها حُفَّاظ القرآن، جُمِع في مصحفٍ واحد. ثم في عهد عثمان، نُسخ المصحف وأُرسل إلى الأمصار.


الفصل الخامس: القرآن في عيون التاريخ والعقيدة

“عندما اختلفت المذاهب.. واتفقت على قداسة النص”

رغم أن المعتزلة قالوا بخلق القرآن، إلا أن أهل السنة – من الأشاعرة إلى السلف – أجمعوا على أنه “كلام الله القديم”، غير مخلوق. وهذا الإجماع لم يكن جدالًا لفظيًا، بل معركةٌ لحماية هوية الأمة: فلو كان القرآن مخلوقًا لَما استحق أن يكون مرجعًا أبديًا.


الخاتمة

إن تعريف القرآن – في نهاية المطاف – ليس كلمةً تُسدل الستار، بل بابٌ يُفتح على عالمٍ من الأسئلة: كيف لكتابٍ أن يَحمِل كل هذا العمق في كلمةٍ واحدة؟ وكيف استطاع أن يُوحِّد أمماً تحت لفظ “اقرأ”؟

إن الإجابة لن تكتمل إلا إذا قرأنا القرآن بتدبر، لا بتعجُّل؛ فكما قال طه حسين: “القرآن ليس كتاب لغةٍ فحسب، بل هو كتاب كونٍ يُعيد تشكيل الإنسان”.


ملحق: تواريخ وأرقام

  • نزول القرآن: 23 سنة (13 مكيًا، 10 مدنيًا).
  • عدد السور: 114 سورة.
  • عدد الآيات: 6,236 آية (باختلاف القراءات).
  • عدد الحروف: 320,015 حرفًا.

مراجع المقال:

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى