المصطلحات

القرامطة: التعريف، التاريخ، والأسئلة التي تُحير المؤرخين

أيها القارئ ، هل تخيَّلْتَ يومًا أن تُصبحَ الكعبة — ذلك الموئل المُقدَّس — ساحةً لصراعٍ دامٍ؟! هل تَصوَّرْتَ أن يُخطَفَ الحجرُ الأسودُ من جوفها، فيُحاكَى اختطافُه كأسيرٍ ذليلٍ؟! إنها “القرامطة”.. تلك الفرقة التي شقَّتْ صفحةَ التاريخ الإسلاميِّ شَقًّا، فخلَّفتْ وراءها أسئلةً تُدوي كالرعد، وإجاباتٍ تَتَوارى كالسراب! فتعالَ نُبحرُ في دهاليزِ هذا اللغز، علَّنا نُمسكُ بخيطٍ من نورٍ في ظلماتِ الماضي.


الفصل الأول: اشتقاقُ الاسم.. أهو سخريةٌ أم نبوءة؟


حين يُطلِقُ التاريخُ اسمًا، فإنما يَحمِلُ في طيَّاتِه حكايةً أو نكتةً! فمن أين جاءتْ تسميةُ “القرامطة”؟

  • القولُ الأشهر: إنهم نُسِبوا إلى “حمدان قرمط”، ذاك الرجلِ القصيرِ القَدَمَين، الذي خرجَ على الناسِ بدعوةٍ تُزعزعُ عروشَ الأغنياء! فكأنما أرادَ القدرُ أن يُلَقِّبَهُ بـ”قرمط” — أي القصير — سخريةً من جسدِه، أو إشادةً بفكرِه !
  • اللغةُ تتحدَّث: لعلَّ الاسمَ مُشتقٌّ من “القرمطة” في لهجةِ العراقيين القدماء، وهي الكتابةُ السريةُ التي تشبهُ النملَ يزحفُ على الورق! أو من “قرمطايا” الآرامية، بمعنى “السريانيين”، كنايةً عن تعاليمِهم الباطنيةِ المستوردةِ من بلادِ الشام.

يا لهُ من عجبٍ! أترى الاسمَ مجرَّدَ لقبٍ هزليٍّ، أم هو رمزٌ لثورةٍ اجتماعيةٍ هزَّتْ أركانَ الخلافة؟!


الفصل الثاني: الهُويةُ المُلغزة.. أجنحةُ العقيدةِ وأظافرُ الثورةِ

تعريف القرامطة
مَنْ هم هؤلاء الذين جمعوا بين الزهدِ الفاطميِّ، وضراوةِ “سبارتاكوس” الروماني؟!

  • الجذرُ الدينيُّ: انبثقوا من رحمِ الإسماعيلية، فرعُ الشيعةِ الذي يؤمنُ بإمامة “محمد بن إسماعيل” المُختفِي. لكنهم حوَّلوا الإمامةَ من فكرةٍ غيبيةٍ إلى مشروعٍ سياسيٍّ يُطالبُ بالعدلِ الأرضيِّ قبل السماوي!
  • المشروعُ الاجتماعيُّ: لقد أعلنوا الحربَ على الترفِ العباسيِّ! ففي دولتِهم الفتيةِ (القرن 9-11م)، ألغوا الملكيةَ الخاصةَ، ووزعوا الثرواتِ، حتى إنَّ الفقيرَ كان يأخذُ حصَّتَه من الذهبِ دونَ أن يسألَ: مِن أين؟!

سؤالٌ يَطنُّ في الأذهان: هل كان القرامطةُ عربًا؟
الحقيقةُ المُرةُ أنَّ قادتَهم — كحمدان — عربٌ، لكنَّ جيشَهم كان بوتقةً لِأعراقِ الشرقِ: فرسٌ يَصهلون، أكرادٌ يَصيحون، بربرٌ يَصولون! حتى إنَّ المؤرِّخ “المسعودي” وصفَهم بأنهم: “خليطٌ لا يُشبهُ إلا جحافلَ المغولِ”!


الفصل الثالث: الزمنُ الدامي.. حين تُسرقُ الكعبةُ وتُدفَعُ الفديةُ!

تاريخ القرامطة
لنستمعْ إلى دقَّاتِ ساعةِ التاريخ:

  • البدايةُ (894م): في أرضِ العراقِ المُتململةِ، أعلنَ “حمدان” دولتَه، ثم امتدَّتْ كالنارِ في الهشيمِ إلى البحرينِ، حيث بنوا “هجر” — عاصمةً أشبهَ ب”يوتوبيا” زراعيةٍ تسيلُ أنهارُ العسلِ فيها!
  • الحدثُ الصادمُ (930م): في جوفِ الليلِ، اقتحمَ أبو طاهرٍ القرمطيُّ مكةَ، فذبحَ الحجيجَ، وسرقَ الحجرَ الأسودَ، وقالَ قولتَه المشهورةَ: “أنا باللهِ وبكم كافرٌ”! وظلَّ الحجرُ رهينًا 22 عامًا، حتى اشتريَ بعشراتِ آلافِ الدنانيرَ! فهل يُشتَرَى المقدَّسُ؟!
  • النهايةُ المُرّةُ: بحلولِ القرنِ الحادي عشرَ، انهارَتْ دولتُهم تحتَ ضرباتِ العباسيينَ، وتحالُفاتِ القبائلِ البدويةِ. أما السلاجقةُ — الذين برزوا كقوةٍ تركيةٍ جديدةٍ — فقد احتفظوا بمسافةٍ آمنةٍ من هذا الصراعِ، كأنما أرادوا أن يقولوا: “دعوا الموتى يدفنون موتاهم”!

الفصل الرابع: العقيدةُ.. بين الباطنِ والظاهرِ

عقيدة القرامطة
أيها السائلُ عن عقيدتِهم، أتظنُّ أنَّ الحقَّ يُدرَكُ بجرةِ قلمٍ؟!

  • الباطنيةُ المُتطرِّفةُ: لقد فسَّروا القرآنَ تأويلًا يَجعلُ الحروفَ أشبهَ بطلاسمَ، فالصلاةُ — عندهم — معرفةُ الإمامِ، والحجُّ — كما زعموا — زيارةُ قادتِهم!
  • الثورةُ على الشعائرِ: رفضوا الصومَ، والسجودَ، بل ورفعوا شعارَ: “لا حجَّ إلا إلى إمامِ الزمانِ”! فكأنما أرادوا أن يقلبوا العالمَ رأسًا على عقبٍ!

طرفة تاريخيةٌ: يُحكى أنَّ الخليفةَ العباسيَّ “المقتدر” سألَ أحدَ القرامطةِ الأسرى: “لماذا لا تسجدون؟”، فأجابَ: “لأننا نرى السجودَ للهِ وحده، لا لِمَن يسرقُ أموالَ الرعيةِ”! فكادَ الخليفةُ أن يختنقُ غيظًا!


الفصل الخامس: تركةُ القرامطة.. شوكةٌ في خاصرةِ التاريخ!

أترى هؤلاءِ “الزنادقةَ” — كما وصفهم خصومُهم — خلَّفوا سوى الدمارِ؟!

  • الزراعةُ المفقودةُ: في “هجر”، حوَّلوا الصحراءَ إلى جنانٍ، فابتكروا نظامَ الريِّ بالقنواتِ (الأفلاج)، الذي لا يزالُ يُدرَّسُ في جامعاتِ الغربِ!
  • الصدمةُ السياسيةُ: كشفوا عورةَ الخلافةِ العباسيةِ، فمهدوا لظهورِ دولِ الطوائفِ، وربما كانوا أولَ مَنْ نادى بـ”اشتراكيةٍ دينيةٍ” قبل ماركس بقرون!
  • في الأدبِ: تحولوا إلى “بوغيمان” العصورِ الوسطى، ففي “ألف ليلةٍ وليلةٍ”، يُصوَّرُ زعيمُهم كشيطانٍ يأكلُ الأطفالَ!

خاتمةٌ: سؤالٌ للتاريخِ!

أيها القارئُ الكريمُ، لقد مررنا بسَرْدٍ يُشبهُ الجمرَ — يحرقُ ولكنه يُنيرُ. فالقرامطةُ لم يكونوا شياطينَ ولا ملائكةً، بل بشرًا اختلطتْ فيهم المثاليةُ بالوحشيةِ، الروحانيةُ بالدهاءِ. فهل نراهم “ثوارًا” سابقين لعصرِهم، أم “لصوصًا” دنسوا المقدساتِ؟

إنَّ التاريخَ — كالمِرآةِ — يُعيدُ إلينا وجوهَنا نحنُ! فكلُّ جيلٍ يرى في القرامطةِ ما يُشبهُه.. أو ما يُناقضُه. فماذا ترى أنتَ؟!


مراجعُ المقال:

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى