معنى المقصلة: التاريخ، التعريف، وأسرارها المأساوية

هل يُمكن لآلةٍ بسيطةٍ مِن خشبٍ وحديدٍ أن تتحول إلى أيقونةٍ للثورةِ، ورعبٍ، وحتى “الرحمة”؟! هذه هو مفارقةُ “المقصلة” العجيبة، التي حملت في صميمها تناقضًا مأساويًّا: أداةٌ صُمِّمت لتخفيف آلام الموت، فصارت رمزًا لقسوته! فكيف تشكَّل معناها اللغوي؟ ومتى تحوَّلت إلى مسرحٍ للدمِ وسط هتافات الجماهير؟ دعونا نغوص في تاريخ هذه الآلة التي لم تَسْقُطْ شفرتُها فقط على الأعناق، بل على ضمير الإنسانية جمعاء!
أصل الكلمة: مِن “غيوتين” إلى “مقصلة”.. لغزُ التسمية!
لا تَخْدَعَنَّك الأسماءُ! فـ”المقصلة” ليست ابنةً شرعيةً للدكتور جوزيف إغناطيوس غيوتين، بل هي ضحيَّةُ سِجِلٍّ تاريخيٍّ مُشوَّش! نعم، لقد دافع غيوتين عام 1789 عن فكرةِ آلة إعدام “سريعة” لتجنيب المحكومين تعذيبَ الموت البطيء، لكنَّ صانعها الحقيقي هو الجراح أنطوان لوي، الذي استلهم تصميمها مِن آلاتٍ مِن العصور الوسطى! أما الاسم الفرنسي “Guillotine“، فكان تَحيَّةً ساخرةً مِن أعداء غيوتين، الذين أرادوا أن يُلصقوا بِه عارَها الأبدي! وهكذا تحوَّلَ اسمُ رجلٍ سعى للرحمةِ إلى شاهدٍ على القسوةِ!
تعريف المقصلة: ليست مجرد شفرةٍ تسقط.. بل فلسفةٌ تتصارع!
إذا طُلِبَ مِنك تعريفُ المقصلةِ، فقل: هي آلةٌ بسيطةٌ في تركيبها، عظيمةٌ في دلالتها! إطارٌ خشبيٌّ شاهقٌ، تُثبَّت في أعلاه شفرةٌ حديديةٌ مائلةٌ، تُطلَقُ فجأةً لتنزلقَ بثقلها، فتقطع الرقبةَ في لمحةِ عين! لكنَّ هذا التعريفَ الميكانيكيَّ الباردَ يُخفي حقيقةً مُرّة: لقد وُلدت هذه الآلةُ مِن رحمِ فكرةٍ “إنسانية”! نعم، لقد اعتقد الثوَّارُ أنَّها ستجعل الموتَ سريعًا “عادلًا” للجميع: الفقيرُ قبل الغنيِّ، واللصُّ قبل الملك! لكنَّ التاريخَ أثبتَ أنَّ العدالةَ الآليةَ قد تكون أقسى مِن ظلمِ البشر!
السياق التاريخي: حين ارتوت شوارعُ باريسَ مِن صرخات المقصلة!
“يا لَثورةِ فرنسا!” هكذا يُخيِّلُ لكَ المؤرخون، لكنَّ المقصلةَ كانت هي المُخرجةَ الحقيقيةَ لمسرحِ الأحداث! خلال عهد الإرهاب (1793-1794)، تحوَّلت إلى نجمٍ مُرعبٍ: 15 ألف رأسٍ سقطت تحت شفرتها، مِنهم الملك لويس السادس عشر الذي نادى بالمساواةِ ذات يوم، وزوجته ماري أنطوانيت التي سُخِرَ مِنها لأنها “أكلت الكعك”! حتى روبسبيار، زعيمُ الثورةِ، لم ينجُ: فبعد أن أرسل الآلافَ إلى الموت، استلقى هو نفسه تحت الشفرةِ! ترى، أكانت المقصلةُ تُنفِّذُ حكمَ العدالةِ، أم حكمَ الجنونِ؟!
كيف تعمل المقصلة؟ ميكانيكا الموتِ المُتقَن!
لنُجرِّدْ أنفسنا للحظةٍ مِن الرعبِ، ولننظر إلى براعةِ الهندسةِ! يبدأ المشهدُ بربط المُحكومِ إلى لوحٍ أفقيٍّ، ثُم يُثبَّت عنقُه في فتحةٍ تحت الشفرةِ. وبسحب حبلٍ أو تحرير مزلاجٍ، تندفع الشفرةُ (التي يصل وزنها إلى 40 كيلوجرامًا) مِن ارتفاعِ 4 أمتار، لتقطع الرأسَ في 2/100 مِن الثانية! لقد حسبوا كلَّ شيءٍ: ميلُ الشفرةِ يضمن قطعَ الشرايينِ فورًا، وسرعةُ السقوطِ تُنهي العذاب! لكن، هل الموتُ السريعُ يمحو فظاعةَ المشهد؟!
دلالاتها الثقافية: مِن آلةِ إعدامٍ إلى استعارةٍ أدبيةٍ!
لم تكن المقصلةُ مجردَ أداةٍ، بل أصبحت نصًّا مفتوحًا للتأويل! في الأدب، وصفها فيكتور هوغو بأنها “الوجهُ القبيحُ للثورة”، بينما جسَّدها تشارلز ديكنز في “قصة مدينتين” كمُحرِّكٍ للصراعِ بين الظلمِ والثأرِ. أما اليوم، فصارت استعارةً للمصائرِ الفاجعةِ: يُقال “مقصلةُ الرقابةِ” لوصفِ حذفِ الآراء، أو “مقصلةُ الزمنِ” حين يَعبثُ القدرُ بالخطط! لعلَّ في هذا تحولًا مثيرًا: مِن أداةِ قتلٍ إلى رمزٍ للصراعِ الإنسانيِّ الأزليِّ!
أسئلةٌ تطفو على السطحِ كالرؤوسِ المقطوعةِ!
1. ماذا تعني كلمة مقصلة؟
هي ابنةُ التاريخِ واللسانِ! اشتُقَّت مِن اسمِ غيوتين (كما أسلفنا)، لكنها في العربيةِ تحملُ جذرًا دالًا: “القَصْل” أي القطعُ الفجائيُّ، كأنما اللغةُ نفسها ارتعدت مِن فظاعتها!
2. مَن أولُ مَن أُعدم بها؟
كان الضحيةُ الأولى لصوصيًا بسيطًا يُدعى نيكولا جاك بيليه في أبريل 1792. لكنَّ المفارقةَ أنَّ آخرَ ضحاياها في فرنسا (1977) كان قاتلًا تونسيًّا يُدعى حميدة جندوبي، ليكتملَ دائرةُ العبثِ: بدأت باللصِّ، وانتهت بالمجرمِ!
3. هل ما زالت تُستخدم؟
رسميًا، ألغتها فرنسا عام 1981 مع إبطال عقوبة الإعدام. لكنَّ روحَها باقيةٌ في القصصِ والأساطيرِ، وفي زوايا مُخيّلةِ مَن يخشون أن تسقطَ “شفرةُ القانونِ” على أحلامهم!
الخاتمة: هل ندمَتِ المقصلةُ؟!
في نهاية المطاف، تبقى المقصلةُ مرآةً لتناقضاتنا: نبتكر أدواتٍ للرحمةِ، فتُصبِحُ أدواتٍ للفظاعةِ! نرفع شعاراتِ العدالةِ، ثم نَسحقُ بها الأبرياءَ! ربما لهذا اختارها التاريخُ لتكون درسًا: لا تكفي السرعةُ أو التكنولوجيا لصنعِ إنسانيتنا، بل الأهمُّ هو ما نزرعُه في قلوبنا قبل آلاتنا!
المراجع:
- الثورة الفرنسية
- أرشيف متحف Carnavalet في باريس لوثائق نادرة عن تصميم المقصلة.
هل تعلم
أنَّ بعضَ الأطباءِ في القرن 18 زعموا أن الرأسَ المقطوعَ يبقى واعيًا لـ 30 ثانية؟! (معلومةٌ تحتاج تأكيدًا، لكنها تثير التفكير!).