المصطلحات

تعريف الزكاة لغة واصطلاحًا وأهميتها في الإسلام

ليست الزكاة مجرد عبادة مالية تفرضها الشريعة على المسلم، بل هي فلسفة إلهية تهدف إلى خلق توازنٍ روحي واقتصادي بين أفراد المجتمع. إنها ليست ضريبةً تؤخذ من الجيوب، بل هي تطهيرٌ للنفوس قبل الأموال، ووسيلةٌ لتحقيق التكافل الذي يمنع من أن تتحول الثروة إلى سلطةٍ يسحق تحتها الضعفاء. في هذا المقال، سنسبر أغوار كلمة “زكاة” لنكتشف جذورها اللغوية، وننظر في تعريفاتها الاصطلاحية عبر المذاهب الفقهية، ونستنبط حِكَمها التي تجعل منها نظامًا اجتماعيًا فريدًا.


الفصل الأول: اللغة تروي قصة الزكاة

1. الجذر اللغوي: زَكَا.. ذلك الفعل الذي يحمل الحياة

كلمة “زكاة” مشتقة من الجذر الثلاثي “زَكَا”، وهو جذرٌ يحمل في طياته معاني البركة والنماء والطهارة والصلاح. كما يقول الراغب الأصفهاني: “الزكاة أصلها النمو الحاصل عن بركة الله”.

ومن معاني الزكاة: الطهارة، والنقاء، وصفوة الشيء، وهي في الشرع حصة من المال أو ما شابه يُوجب الشرع بذلها للفقراء والمحتاجين وفق شروط معينة. ولعل أبلغ ما يُجسد هذا المعنى قول العرب: “زَكَتِ النبتةُ” إذا نمت، و”زَكا العودُ في الدفء” إذا اشتد. حتى إنهم وصفوا الإنسان الكريم بـ”الزكي” لما في كرمه من نماءٍ للمجتمع.

2. الزكاة في القرآن: كلمةٌ تحمل مصير أمة

لم تكن الآيات القرآنية التي ذكرت الزكاة مجرد تأكيدٍ على فرضيتها، بل كانت نظرةً شاملة تربط بين تطهير المال وتطهير النفس. يقول تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ (التوبة: 103). هنا تتجلى ثنائية المعنى اللغوي للكلمة: التطهير من الشح والذنوب، والزيادة في البركة والأجر.

3. الزكاة والصدقة: فرقٌ دقيق

رغم اشتراكهما في أصل المعنى، فإن الفقهاء ميزوا بين “الزكاة” المفروضة بشروط محددة، و”الصدقة” التطوعية. يقول الجرجاني في “التعريفات”: “الزكاة اسمٌ لما يُخرج من مالٍ على وجه مخصوص”، أما الصدقة فهي “ما يُعطى تقربًا إلى الله بلا اشتراط”. وهكذا، تحمل الزكاة صبغة الإلزام التي تُذكِّر المسلم بواجبه نحو المجتمع.


الفصل الثاني: التعريف الاصطلاحي.. حيث تلتقي المذاهب

1. الحنفية: التمليك عينًا لا دينًا

عرف أبو حنيفة الزكاة بأنها: “تمليك جزء مخصوص من مال مخصوص، لِمُستحقه الشرعي المُحدد في القرآن”. وهنا يشترط الحنفية أن تنتقل ملكية الزكاة إلى الفقير مباشرةً، فلا يجوز دفعها دينًا عن الغارمين مثلًا إلا إذا سلمت لهم.

2. المالكية: اشتراط الحول والنماء

يرى المالكية أن الزكاة لا تجب إلا في المال النامي، الذي يُمكن تنميته بالتجارة أو الرعي، ويشترطون مرور عامٍ كامل عليه (الحول). يقول خليل المالكي في “المختصر”: “الزكاة واجبة في كل مالٍ بلغ النصاب، وحال عليه الحول، وكان فاضلًا عن الحوائج الأصلية”.

3. الشافعية: شمولية التعريف

يتسع تعريف الشافعية ليشمل زكاة الأبدان (كفطرة رمضان)، فيقول النووي: “الزكاة تُطلق على ما يُخرج من المال، وعلى ما يُخرج من البدن تقربًا إلى الله”. وهذا التعريف يعكس المرونة التشريعية التي تميز المذهب.

4. الحنابلة: الحق الواجب

يعتبر ابن قدامة الزكاة “حقًا واجبًا في أموال مخصوصة، لطوائف مخصوصة”، مؤكدًا على أن إخراجها ليس تفضُّلًا من الغني، بل هو حقٌّ للفقير، كما قال عمر بن الخطاب: “إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي فقراءهم”.


الفصل الثالث: الزكاة في التشريع القرآني

1. آيات التأسيس: من المبادئ إلى التفصيل

نزلت فرضية الزكاة في مكة كأمرٍ عام، لكن التفصيلات الدقيقة (كالأنصبة والمستحقين) نزلت في المدينة. يقول تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (الأنعام: 141)، وهي إشارةٌ مبكرة لزكاة الزرع. أما في سورة التوبة، فقد حددت الآية 60 الأصناف الثمانية المستحقة للزكاة، والتي أصبحت الإطار التشريعي الأهم.

2. الزكاة والصلاة: ثنائية العبادة

اقترنت الزكاة بالصلاة في 28 موضعًا في القرآن، كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (البقرة: 110). هذا الاقتران ليس عبثيًا، فالصلاة عبادة جسدية تُصلح العلاقة مع الله، والزكاة عبادة مالية تُصلح العلاقة مع المجتمع.

3. حوار النبي مع معاذ: درس في الفلسفة الاجتماعية

عندما أرسل النبي ﷺ معاذ بن جبل إلى اليمن، قال له: “أَعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ”. في هذه الجملة الموجزة، نجد الرؤية الاجتماعية للإسلام: الأغنياء ليسوا ملاكًا لأموالهم، بل هم وكلاء عليها لصالح المجتمع.


الفصل الرابع: شروط الزكاة.. حيث يتفاعل الفقه مع الواقع

1. شروط الوجوب: الإسلام، النصاب، الملك التام

لا تجب الزكاة على غير المسلم، لأنها عبادةٌ كالصلاة. ويشترط الفقهاء أن يبلغ المال النصاب، وهو الحد الأدنى الذي يختلف باختلاف نوع المال:

نوع المالالنصاب
الذهب85 جرامًا
الفضة595 جرامًا
الغنم40 رأسًا

2. الحول: عامٌ من الاختبار

يشترط مرور عامٍ كامل على امتلاك النصاب (إلا في الزروع)، وهذا الشرط يُعدُّ آليةً لقياس الاستقرار المالي، فالمال العابر لا زكاة فيه.

3. الملك التام: أن تكون الثروة تحت السيطرة

لا تجب الزكاة في المال المرهون أو المفقود، لأن صاحبه لا يملك التصرف فيه. لكن لو كان لديه دينٌ مرجو السداد، وجبت زكاته كل عامٍ – عند الشافعية – عملاً بقول النبي ﷺ: “الدَّيْنُ يُزَكَّى إذا كان على مليءٍ”.


الفصل الخامس: أنواع الزكاة.. تنوعٌ يعكس حكمة التشريع

1. زكاة الذهب والفضة: العدالة في الأنصبة

النصاب: 85 جرامًا ذهبًا / 595 جرامًا فضة.
المقدار: 2.5%.
هنا نلاحظ أن نسبة 2.5% لا تُثقل كاهل الغني، لكنها كافية لسد حاجات الفقراء إذا أُديت بشكل جماعي.

2. زكاة الزروع: مراعاة الجهد البشري

النصاب: 653 كيلوجرامًا.
المقدار: 10% إذا سُقي بالمطر، 5% إذا سُقي بالآلة.
هذا التفريق يُظهر مراعاة الإسلام للتكاليف الإنتاجية، فكلما زاد جهد الإنسان قلَّت النسبة.

3. زكاة الأنعام: تفصيلٌ يدعو للتأمل

  • الإبل: تجب الزكاة في كل 5 إبل بشاةٍ واحدة.
  • البقر: في كل 30 بقرةً تبيع (عمره سنة).
  • الغنم: في كل 40 إلى 120 شاةً شاةٌ واحدة.
    هذه التفصيلات الدقيقة تعكس درايةً عميقة باقتصاديات الرعي، حيث تُحسب الزكاة بما لا يُعطل نمو القطيع.

الفصل السادس: مقاصد الزكاة.. لماذا نُخرجها؟

1. التطهير الروحي: حين يموت البخل

الزكاة ليست نقلًا للمال من يدٍ إلى أخرى، بل هي عملية جراحية تُزيل أمراض القلب كالطمع والشح. يقول الغزالي: “المال محبوبٌ للنفوس، وجبَ إخراج جزءٍ منه لتُعلم النفس أنه خادمٌ لله، لا عبدٌ للدرهم”.

2. التكافل الاجتماعي: حين ينام الفقير شبعان

حسب بيانات البنك الإسلامي للتنمية، لو أُديت الزكاة في العالم الإسلامي بشكل كامل، لبلغت قيمتها 3 تريليون دولار سنويًا، وهو ما يكفي للقضاء على الفقر المدقع. هذا الرقم ليس خيالًا، بل هو دليل على أن الزكاة نظامٌ اقتصادي متكامل.

3. الحماية من الثورات: حين لا يثور الجياع

يقول المؤرخ أرنولد توينبي: “انهارت الحضارات حين تحولت الثروة إلى أيدٍ قليلة”. والزكاة تُذكِّر الأغنياء بأنهم حراسٌ للعدالة، لا ملاكٌ لها. وقد رأينا كيف منعت الزكاة في عهد عمر بن عبد العزيز الثورات الاجتماعية، حين عم الرخاء.


الفصل السابع: أسئلة ملحة عن الزكاة

1. هل تجب الزكاة على البيت الذي أسكنه؟

لا تجب الزكاة في المسكن المُعد للسكنى، لكن لو امتلك شخصٌ بيوتًا للتأجير، تجب زكاة إيراداتها إذا بلغت النصاب.

2. ما مصير مال الزكاة إذا لم يوجد فقراء؟

قال الفقهاء: يُنقل إلى بلدٍ آخر فيه فقراء، أو يُصرف في المصالح العامة كبناء المدارس.

3. كيف نزكي الأسهم؟

تُزكى الأسهم بحسب القيمة السوقية السنوية، فإذا كانت الشركة تزكي أصولها، يُكتفى بذلك، وإلا وجبت زكاتها على المساهم.


خاتمة: الزكاة.. ذلك السر العجيب

الزكاة ليست مجرد تعريفات فقهية، بل هي سرٌّ من أسرار بقاء الأمة. إنها الحبل السري الذي يصل بين قلوب الأغنياء والفقراء، وبين الأرض والسماء. فهل نستطيع أن نعيد اكتشافها لا كعبادةٍ جامدة، بل كفلسفةٍ تحقق “العدالة السماوية” في عالمٍ يئن تحت وطأة الظلم؟


ملحق: جدول زمني لتطور فريضة الزكاة

السنةالحدث
2 هـفرض الزكاة مع تحديد الأنصبة.
20 هـعمر بن الخطاب يُنشئ ديوان الزكاة.
72 هـعبد الملك بن مروان يُعرب سجلات الزكاة.
2019 مالسعودية تُنشئ “هيئة الزكاة” الرقمية.

مراجع المقال:

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى