المصطلحات

السادية: رحلة داخل عقلٍ يحبُّ الألم

البداية: قصة رجلٍ غيَّر معنى القسوة

تخيل نفسك في فرنسا القرن الثامن عشر، بين جدران محكمة مظلمة، حيث يقف رجلٌ يتهمه المجتمع بـ “الجنون” لأنه يكتب قصصًا عن السجناء الذين يُعذَّبون، وعن أسيادٍ يستمتعون بصرخات ضحاياهم. هذا الرجل هو ماركيز دي ساد، الذي تحوَّل اسمه إلى مصطلحٍ يصف واحدةً من أغرب الظواهر الإنسانية: السادية.
هل تعتقد أن القسوة يمكن أن تكون متعة؟ ربما ستغير إجابتك بعد هذه الرحلة.


من أين أتت الكلمة؟ رحلة من الأدب إلى علم النفس

  • الاسم الذي أصبح لقبًا:
    الكلمة العربية “السادية” هي نسخةٌ من اسم ذلك الكاتب الفرنسي (دي ساد). لكن الأمر لم يقتصر على الأدب! في نهاية القرن التاسع عشر، لاحظ طبيب ألماني يدعى كرافت إيبينغ أن بعض مرضاه يمارسون سلوكياتٍ مشابهة لشخصيات دي ساد، فقرر تسمية هذه الحالة النفسية “سادية” نسبة إليه.
  • باللغات الأخرى:
  • الإنجليزية: Sadism (سَيْدِيزْم).
  • الفرنسية: Sadisme (سادِيسْم).

ما الذي يعنيه أن تكون “ساديًا”؟

السادية ليست مجرد ضرب أو تعذيب، بل هي رغبة خفية في التحكم بالآخرين من خلال ألمهم. كأن يكون لديك سكينٌ تخبئه تحت كلماتك، أو سلطةٌ تستخدمها لتركيع من حولك.

  • ليست جنسية فقط:
    نعم، قد تتعلق أحيانًا بالمتعة الجنسية، لكنك ستجدها أيضًا في:
  • مدير العمل الذي يفرض ساعاتٍ إضافية لمجرد رؤية الموظفين منهكين.
  • الصديق الذي ينتقدك في público ليشعر بأنه الأقوى.

يقول أحد الفلاسفة:

“السادي لا يريد أن يؤذيك، بل يريد أن يملكك… كدميةٍ يحرك خيوطها متى شاء.”


السادية والمازوشية: وجهان لعملة واحدة؟

هل لاحظت يومًا أن بعض الأشخاص يستمتعون بمعاناتهم؟ هذا هو نقيض السادية، ويسمى المازوشية. لكن المفاجأة هي أن الإثنين قد يجتمعان في شخصٍ واحد! كأن يكون الإنسان ساديًا في العمل، ومازوشيًا في الحب.
تخيل علاقةً كـ “رقصة تانغو” بين السيف والجرح: أحدهما يقطع، والآخر ينزف… وكلاهما يجد لذةً ما في هذه اللعبة!


أين تختبئ السادية في حياتنا؟

  1. في الثقافة:
  • أفلام الرعب التي نستمتع بمشاهدة الضحية تهرب من قاتلٍ متوحش.
  • أغاني الحب التي تُمجد العلاقات السامة: “أحبك لأنك تجرحني”.
  1. في العلاقات:
  • أم تُذل ابنها أمام الآخرين لتشعره أنه “لا شيء بدونها”.
  • زميلٌ يسرق أفكارك، ثم يبتسم وهو يشاهدك تفقد الثقة بنفسك.
  1. حتى في اللحظات البسيطة:
  • طفل يحرق نملة بالمكبر… لمجرد مشاهدة رقصتها تحت أشعة الشمس.

هل مررت بتجربة شعرت فيها أن شخصًا ما يستمتع بألمك؟


الحد الفاصل: متى تصبح القسوة مرضًا؟

لا تُصنَّف كل قسوةً على أنها سادية. فحتى أطيب الناس قد يمرون بلحظات غضب! لكن السادي الحقيقي:

  • يشتعل داخله إحساسٌ بالبهجة عندما يرى دمعةً تسقط.
  • لا يشعر بالندم، بل قد يبتكر طرقًا جديدةً لإيلامك.

هنا يصبح الأمر كـ إدمان… إدمان على الشعور بالقوة، كمدمن مخدرات يحتاج جرعةً أكبر كل مرة!


هل يمكن علاج السادية؟

الإجابة نعم، لكن بشروط:

  • الاعتراف: أن يصرخ الشخص في المرآة: “أنا أؤذي الآخرين وأستمتع بذلك”.
  • العلاج النفسي: ليس مجرد حبوب، بل حديثٌ عميق عن جروح الطفولة، أو عن الفراغ الذي يحاول ملؤه بالسيطرة.
  • التعاطف: أن يتخيل كيف يشعر الطرف الآخر عندما يُجرح.

تخيل لو أن السادي يرى نفسه في مرآة تعكس ألم ضحاياه… هل سيتغير؟


السادية في الثقافة: لماذا نتجاهل جانبها المظلم؟

نعيش في عالمٍ يمجِّد القوة، حتى لو كانت قاتمة. في المسلسلات، البطل “الشرير” يجذبنا أكثر من “الطيب”! ربما لأننا نرى في السادية مرآةً لشرٍّ كامن فينا جميعًا، كما تقول الكاتبة حنة أرندت:

“الشر ليس شيئًا خارقًا… إنه ينمو كالعفن في الأماكن الرطبة.”


خاتمة: هل السادية اختيار أم قدر؟

السادية ليست مجرد “اضطراب”، بل هي صراعٌ بين الخوف من الضعف والرغبة في الانتقام من الحياة. ربما لو عاش دي ساد في عصرنا، لكان تغرد بتغريدةٍ قاسية بدلًا من كتابة روايات! لكن السؤال الأهم:
هل أنت متأكد أنك لست “ساديًا” في لحظةٍ ما؟
قد تكون الإجابة غير مريحة… لكنها بداية الطريق لفهم ذلك الجزء المظلم الذي نحمله جميعًا.


ملاحظة أخيرة:

  • استخدم كلمة “سادي” بحذر! فالبعض يطلقها مزاحًا، لكنها قد تخفي جرحًا حقيقيًّا.
  • تذكَّر: حتى أشرس الساديين… كانوا يومًا ما أطفالًا يبكون تحت غطاء الفراش.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى