هل نحن وحدنا في الكون؟ العلم والدين والفلسفة يجيبون

ما إن يرفع الإنسان عينيه إلى السماء المُترامية حتى يخامره ذلك السؤالُ القديمُ الجديد: هل نحن وحدنا في هذا الفضاء المُهيب؟ سؤالٌ يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته زوبعةً من التحدياتِ الفكريةِ والروحيةِ التي تمسُّ صميمَ وجودنا. فمنذ أن خطا الإنسانُ الأولُ على الأرض، وهو يتأمل النجومَ كأنها نقاطُ استفهامٍ مضيئة، تُذكِّره بأنه قد يكون مجردُ ذرةٍ في رمالِ صحراءٍ كونيةٍ لا نهايةَ لها.
ها نحن اليوم، في عصرِ التلسكوباتِ التي تُنقبُ عن كواكبَ تُشبه أرضنا، والمركباتِ التي تثقبُ أغلفةَ الكواكبِ بحثًا عن بصماتِ الحياة، والنصوصِ الدينيةِ التي تُفتَّشُ عن إشاراتٍ غامضةٍ لـ “مخلوقاتٍ أخرى”، والأساطيرِ التي تحوَّلتْ مع الزمنِ إلى نظرياتٍ يُصدقها الملايين… ها نحن ما زلنا نُعيدُ طرحَ السؤالِ ذاته، لكن بأدواتٍ أكثرَ تعقيدًا، وشغفٍ أكثرَ إلحاحًا.
الفصل الأول: العدسة العلمية.. هل تُجيبُ التكنولوجيا عن سؤال الوجود؟
1.1 بصماتُ الحياة في الفضاء: من التلسكوب إلى معادلة فيرمي
إذا كانت المجرَّاتُ تُقدَّرُ بمئات المليارات، والكواكبُ التي تُشبه الأرضَ تُعدُّ بالآلاف، فلماذا لم يصلنا بعدُ رسالةٌ من جيرانٍ كونيين؟ هذا هو جوهرُ “مفارقة فيرمي” التي حيَّرت العلماءَ منذ خمسينيات القرن الماضي. فبحسب المنطق الإحصائي، كان ينبغي أن تنتشرَ الحضاراتُ الذكيةُ في الكونِ كالنارِ في الهشيم، لكن واقعنا يقولُ غيرَ ذلك.
لعلَّ الإجابةَ تكمنُ في مشروع SETI (البحث عن ذكاء خارج الأرض)، الذي يُحوِّلُ السماءَ إلى شبكةٍ من الأذنَين الاصطناعيتين، تلتقطُ أيَّ همسةٍ راديويةٍ قد تحملُ شيفرةً ذكية. لكن العقودَ الماضيةَ لم تُسفر إلا عن صمتٍ مُطبق، جعل بعضَ العلماءِ يُعيدونَ حساباتهم: هل نحن نبحثُ في المكانِ الخطأ؟ أم أن الحضاراتِ تنهزمُ أمامَ تحدياتِ البقاءِ قبل أن تُطلقَ إشاراتها؟
1.2 كيمياءُ الكون: هل الحياةُ ظاهرةٌ مشتركةٌ أم استثناءٌ أرضي؟
في أعماقِ السحبِ الكونية، حيثُ تسبحُ الجزيئاتُ العضويةُ كقطعٍ من أحجيةٍ كونية، يكتشفُ العلماءُ يوميًا لبناتٍ جديدةً لبناء الحياة. ففي عام 2020، اكتُشفَ غازُ الفوسفين في سحبِ كوكب الزهرة، وهو مركبٌ يُنتجُ على الأرضِ بواسطة كائناتٍ لاهوائية. هل يعني هذا أن الحياةَ قد تكونُ اخترقتْ حتى العوالمَ الجحيمية؟
لكن المفارقةَ تكمنُ في أننا، رغم اكتشافِ آلافِ الكواكبِ في “المنطقة الصالحة للحياة”، لم نعثرْ بعدُ على كوكبٍ واحدٍ يُكرر المعجزةَ الأرضية. فهل الحياةُ تحتاجُ إلى أكثرَ من الماءِ ودرجةِ الحرارة المناسبة؟ هل تحتاجُ إلى قمرٍ كقمرنا لتحافظَ على استقرارِ محورها؟ أم أن الأمرَ يتطلبُ سلسلةً من الصدفِ الكونيةِ التي قد لا تتكرر؟
1.3 الحياةُ تحت الجليد: أوروبا وإنسيلادوس وأملٌ جديد
في عام 2017، التقطت مركبةُ كاسيني صورًا لـ “أعمدةٍ مائية” تنفجرُ من قمر إنسيلادوس (أحد أقمار زحل)، حاملةً معها موادَّ عضويةً معقدة. هذه الأعمدةُ هي دليلٌ على وجودِ محيطٍ سائلٍ تحت الجليد، قد يكونُ موطنًا لميكروباتٍ فضائية. هنا ينتقلُ السؤالُ من “هل توجد حياةٌ خارج الأرض؟” إلى “ما شكلُ هذه الحياة؟”.
الفصل الثاني: النصوصُ المقدسة.. هل خلقَ اللهُ عوالمَ أخرى؟
2.1 القرآنُ والكونُ الموازي: قراءةٌ في آية الدَّابة
يقولُ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ﴾ (الشورى: 29). اختلف المفسرون في معنى “الدَّابة”: هل هي كلُّ كائنٍ حي، أم مخلوقاتٌ عاقلةٌ كالإنسان؟ وفي سورة النحل: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ﴾، فهل تشملُ هذه السجدةُ كائناتٍ من عوالمَ أخرى؟
يقولُ الإمامُ القرطبي في تفسيره: “اختلفوا هل في السماواتِ أحياءٌ على غير صورة البشر، فمنهم من أنكرَ ذلك، ومنهم من قال إن الملائكةَ هم دوابُّ السماوات”. لكن بعضَ المفكرين المعاصرين، كالدكتور زغلول النجار، يرون أن النصَّ القرآنيَ يتسعُ لفكرةِ وجودِ حياةٍ خارجية، دون أن يُثبتَ أو ينفيَ شكلها.
2.2 الإسراءُ والمعراجُ: رحلةٌ فضائيةٌ قبل عصر الصواريخ؟
حينَ يصفُ النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم رحلةَ الإسراء، يقول: “رُفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كقِلال هَجَر، وإذا ورقها كآذان الفيلة”. هذه الأوصافُ الاستعاريةُ أثارت تساؤلاتٍ عن طبيعةِ “السماوات السبع” التي مرَّ بها الرسول. هل يمكنُ أن تكونَ هذه السماواتُ عوالمَ ماديةً تُشبه كواكبَ أخرى؟ أم أنها عوالمُ غيبٍ لا تُدركُها القوانينُ الفيزيائية؟
2.3 الأديانُ الأخرى: من الكروبيم إلى الكائنات النورانية
في البوذية، تُشيرُ النصوصُ إلى وجودِ “ديفازات” أو كائناتٍ نورانيةٍ تسكنُ طبقاتٍ عليا من الوجود. وفي المسيحية، وصفُ “الكروبيم” بأنهم مخلوقاتٌ ذاتُ أجنحةٍ وأعينٍ لا تُحصى، تختلفُ عن البشرِ والملائكة. هذه التصوراتُ تفتحُ البابَ أمامَ سؤالٍ جريء: هل يمكنُ أن تكونَ الكائناتُ الفضائيةُ جزءًا من خريطةِ الخلقِ التي ذكرتها الأديان، لكن بأسماءٍ مختلفة؟
الفصل الثالث: الفلسفةُ والوجود.. هل تُهدِّدُ الإجابةُ هويتنا؟
3.1 مفارقةُ العزلة: بين عبثيةِ الوجودِ وعظمةِ المصادفة
“إن اكتشفنا أننا الوحيدون في الكون، فذلك يؤكدُ أننا معجزةٌ لا تُصدق. وإن اكتشفنا أننا لسنا وحدنا، فذلك يؤكدُ أننا لسنا استثناءً”. بهذه العبارةِ لخَّصَ الفيلسوفُ نيل ديجراس تايسون التناقضَ الوجوديَّ الذي نواجهه. فالإنسانُ، منذ عصرِ نيتشه، وهو يُصارعُ فكرةَ أن الكونَ لا يعنيه، لكنَّ اكتشافَ كائناتٍ أخرى قد يمنحُ العدميةَ معنى جديدًا، أو يُعمقُ جرحَ الغرورِ البشري.
3.2 أخلاقياتُ الاتصال: هل نصرخُ في الغابة الكونية؟
في عام 1974، أرسلَ العلماءُ من مرصد أريسيبو رسالةً راديويةً إلى العنقودِ النجمي M13، تحملُ معلوماتٍ عن البشرِ والأرض. لكنَّ مفكرين مثل ستيفن هوكينج حذروا من أن إرسالَ إشاراتٍ قد يجذبُ حضاراتٍ متقدمةً تبحثُ عن مواردَ جديدة، في سيناريو أشبهَ بـ “لقاء كولومبوس مع الهنود الحمر”. هنا يصبحُ السؤالُ العلمي سؤالًا أخلاقيًا: هل من الحكمةِ أن نكشفَ عن وجودنا في كونٍ قد يكونُ قاسيًا؟
3.3 الهويةُ المهدَّدة: ماذا لو كنا “مجردَ نوعٍ عادي”؟
تاريخيًا، كلما اكتشفَ الإنسانُ أنه ليس مركزَ الكون، ثارَتْ أزمةٌ وجودية. حينَ قالَ كوبرنيكوس إن الأرضَ ليست مركزَ المجرة، اهتزتْ صورةُ الإنسانِ عن نفسه. وحينَ قال داروين إننا لسنا سوى حلقةٍ في سلسلةِ التطور، اشتعلتْ حروبٌ فكرية. فماذا سيحدثُ لو اكتشفنا أننا لسنا حتى الذكاءَ الوحيد؟ هل سنتحولُ إلى مجردِ “أحد الأجناس” في سجلٍّ كوني؟ أم أن هذا الاكتشافَ سيدفعنا إلى إعادةِ تعريفِ “الإنسانية” ذاتها؟
الفصل الرابع: الثقافةُ والأساطير.. الفضائيون في مخيلة الشعوب
4.1 الأنوناكي: عندما تتحول الأسطورةُ إلى نظريةٍ علمية!
في ألواحِ حضارةِ سومر، ثمةَ إشاراتٌ إلى كائناتٍ سماويةٍ تُدعى “الأنوناكي”، جاءت من كوكبٍ يُدعى “نيبيرو” لتعلمَ البشرَ الزراعةَ والكتابة. تحوَّلتْ هذه الأسطورةُ في العصر الحديث إلى نظريةٍ لعلماءَ مثل زكريا سيتشن، الذي ادعى أن الأنوناكيَ هم فضائيون غيَّروا الحمضَ النوويَّ البشري. هنا يمتزجُ السؤالُ العلمي بالسؤالِ الأنثروبولوجي: هل اخترعَتِ الشعوبُ القديمةُ الآلهةَ لتحقيقِ “تعويضٍ نفسي” عن عجزها أمامَ الطبيعة؟ أم أن الأساطيرَ قد تكونُ ذاكرةً جماعيةً لحدثٍ كوني؟
4.2 الأجسامُ الطائرة: بين التضليلِ الحكومي وهوسِ المؤامرة
من حادثة روزويل 1947، التي زعمَ فيها الجيشُ الأمريكي سقوطَ طبقٍ طائر، إلى تسريباتِ مقاطعَ عسكريةٍ في 2020 تُظهرُ أجسامًا تطيرُ بقوانينَ فيزيائيةٍ مجهولة، ظلَّتْ ظاهرةُ UFOs لعبةً بين الشكِّ واليقين. ففي حين يرى العلماءُ أن معظمَ المشاهداتِ تُفسرُ بظواهرَ طبيعية، يُصرُّ المؤمنون بنظريةِ المؤامرةِ على أن الحكوماتِ تخفي “الحقيقةَ المطلقة”.
4.3 الخيالُ العلمي: مرآةُ مخاوفِ البشرِ وأحلامهم
في فيلم Arrival (2016)، تحاولُ عالمةُ لسانياتٍ فكَّ شيفرةِ لغةِ كائناتٍ غريبة، تدركُ في النهاية أن لغتَهم تُغيِّرُ إدراكَ الزمن نفسه. هذا الفيلمُ، كغيره من الأعمال، ليس مجردَ تسلية، بل هو استكشافٌ فلسفيٌّ لأسئلةٍ جوهرية: كيف نتواصلُ مع ذكاءٍ لا يُشبهنا؟ وهل يمكنُ أن تكونَ اللغةُ عائقًا أمامَ الفهمِ الكوني؟
الفصل الخامس: أصواتٌ من الواقع.. بين الشهاداتِ والعِلم
5.1 روزويل 1947: عندما اصطدمَتِ الحقيقةُ بالأسطورة
في صيفِ 1947، زعمَ مزارعٌ أمريكي أن حطامًا غريبًا سقطَ في مزرعته بنيومكسيكو. الجيشُ الأمريكي أصدرَ بيانًا أوليًا عن “طبقٍ طائر”، ثم تراجعَ لاحقًا ووصفَه بـ “بالونٍ لرصدِ الطقس”. لكن شهاداتِ جنودٍ زعموا رؤيةَ جثثٍ “غير بشرية”، وتحليلاتٍ حديثةً لموادَ من الموقع تُشيرُ إلى خصائصَ غير أرضية، جعلت الحادثةَ أشبهَ بـ “ثقبٍ أسود” في تاريخِ الشكوكِ الكونية.
5.2 جيل تارتر: امرأةٌ تُلاحقُ إشاراتِ الكون
عالمةُ الفلك جيل تارتر، التي ألهمت شخصيةَ إليانور آروي في فيلم Contact، كرَّستْ حياتَها لقيادةِ مشروع SETI. في مقابلةٍ عام 2010، قالت: “نحن نبحثُ عن إبرةٍ في كومةِ قش، لكننا لا نعرفُ حتى شكلَ الإبرة”. كلماتُها تلخصُ التحديَ العلمي والأملَ الإنساني في آن.
5.3 الاختطافُ الفضائي: هل الذاكرةُ البشريةُ ساحةٌ للوهم؟
أفادتْ تقاريرُ عن أشخاصٍ زعموا اختطافَهم من كائناتٍ فضائية لإجراء تجاربَ عليهم. علماءُ النفسِ فسروا هذه الظاهرةَ بـ “شللِ النوم” أو “الذاكرةِ المزروعة” عبرَ التنويمِ المغناطيسي. لكن السؤالَ يبقى: لماذا تتشابه تفاصيلُ هذه الرواياتِ عبرَ الثقافات؟ هل هي مؤامرةٌ عالمية، أم أن العقلَ البشريَّ يخترعُ أجوبةً لأسئلةٍ لا نعرفُ كيف نطرحها؟
حوارٌ مع القارئ: ماذا لو..؟
- “تخيل أنك رئيسُ دولة، وأتاكَ دليلٌ قاطعٌ على وجودِ كائناتٍ فضائية. ماذا ستفعل؟ هل تُخفي الحقيقةَ لتفادي الفوضى، أم تُعلنها وتواجهُ عواقبَها؟”.
- “لو كنتَ فيلسوفًا، كيف ستُعيدُ تعريفَ ‘الإنسان’ إذا اكتشفنا أننا لسنا أذكى الكائنات؟”.
الخاتمة: السؤالُ هو الجواب!
ربما تكونُ الإجابةُ عن سؤال “هل نحن وحيدون؟” غيرَ ذاتِ أهميةٍ أمامَ حقيقةٍ واحدة: أن هذا السؤالَ نفسه هو ما يجعلُنا بشرًا. فحتى لو كان الكونُ خاليًا من غيرنا، فإن قدرتَنا على طرحِ السؤالِ وتخيلِ الإجابةِ هي الدليلُ الوحيدُ – حتى الآن – على أننا لسنا مجردَ ذراتٍ عمياء.
الكونُ قد لا يُجيب، لكن بحثَنا عن الجوابِ هو ما يمنحُ النجومَ معنى، والأرضَ قدسية، والوجودَ عمقًا لا ينضب. وكما قال الشاعرُ العظيم: “ربما لا نصل، لكن السيرَ نحوَ البحرِ حياة”.