الروح عند النوم: هل تلتقي بأرواح الموتى؟!

حين يُغمض الإنسان جفنيه، ويستسلم للنوم، يبدأ سؤالٌ يخترق سكون الليل: أين يذهب وعيُنا؟ هل تتحرر الروحُ من سجن الجسد لتجوب عوالمَ لا نراها؟ أم أن الدماغَ ينسجُ من ذاته عالماً موازياً؟ لطالما كان النومُ لغزاً يُحيِّر الفلاسفةَ منذ أيام أرسطو، والعلماءَ في مختبرات القرن الحادي والعشرين. إنها الرحلة اليومية التي نعيشها جميعاً، لكننا نعود منها حاملين أسئلةً أكثر من الأجوبة.
هنا، سنمشي معاً على حبلٍ مشدود بين العلم والدين، بين المختبر والمسجد، بين ما نراه وما نؤمن به. سنغوص في كهوف الدماغ البشري، ونسترق السمعَ لقصص الأرواح التي ترويها الكتب السماوية، ونبحث عن “الروح عند النوم” في ثنايا الأحلام والغيبوبة وحتى لحظة التخدير.
الفصل الأول: الوعي عند النوم.. هل يختفي أم يتحول؟
أ. العلم الحديث يكشف أسرار الكهرباء الدماغية
يقول العالِم الفرنسي ميشيل جوفيه في ستينيات القرن الماضي: “النومُ ليس موتاً صغيراً، بل هو حياةٌ موازية”. فعندما ننام، يتحول الدماغ إلى مسرحٍ تعرض عليه مسرحيةٌ من صنع اللاوعي، حيث تُقسَّم الرحلة إلى مراحل:
مرحلة النوم | نشاط الدماغ | مصير الوعي |
---|---|---|
NREM | موجات بطيئة (دلتا) | فقدان جزئي للوعي |
REM | نشاط عالٍ (كاليقظة) | أحلام واضحة وحية |
في مرحلة REM، التي تشغل 25% من نوم البالغين، تُشبه موجاتُ الدماغ تلك التي نعيشها في اليقظة! هنا تُولد الأحلام، وتُحلَّق الروحُ في فضاءات قد تكونُ ذكرياتٍ مُعادَ تركيبها، أو نبوءاتٍ غامضة.
لكن السؤال الأعمق: أين يذهب الوعي الحقيقي أثناء ذلك؟
تشير نظرية “الدماغ المنفصل” إلى أن الوعي لا يختفي، بل ينفصل عن الواقع المادي. ففي تجربة أجراها ويلدر بنفيلد عام 1950، قام بتحفيز دماغ مريضٍ نائمٍ كهربائياً، فبدأ يصف مشاهدَ كأنها حقيقية! هل كان وعيهُ يسكنُ عالماً موازياً؟
ب. الفلاسفة.. حين يصبح النومُ نافذةً على الماوراء
قبل ألفي عام، قال أرسطو: “الأحلامُ رسائلُ القلبِ إلى العقل”. أما الفيلسوف الألماني شوبنهاور، فوصف النومَ بأنه “البروفةُ الصغيرة للموت”. هذه الفكرة تلمسُ شيئاً من الحقيقة العلمية؛ ففي كل ليلة، تمرُّ أرواحنا بحالة تشبه الموتَ البيولوجي: تنفصل الروحُ جزئياً عن الجسد، ثم تعودُ عند الاستيقاظ.
لكن العلمَ يرفضُ الغموضَ أحياناً؛ فدراسة نُشرت في Nature Neuroscience (2018) توصلت إلى أن 70% من نشاط الأحلام هو إعادةُ معالجةٍ للذكريات اليومية. فهل الأحلامُ مجرد “تنظيفٍ” للدماغ؟ أم أنها رحلاتٌ حقيقية للروح؟
الفصل الثاني: الروح عند النوم.. بين الدين والأساطير
أ. الأديان السماوية: رحلةٌ مؤقتة إلى عالم الأرواح
في القرآن الكريم إجابةٌ صادمةٌ للسؤال “أين تذهب الروح عند النوم؟”:
﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر: 42].
يفسِّر ابن القيم هذه الآية بقوله: “النومُ موتةٌ صغرى، تُؤخذ فيها الروحُ وتُربط بالجسد بحبلٍ واهن”. وفي الحديث النبوي: “النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَفِيهِ تُرَدُّ الْأَرْوَاحُ إِلَى أَجْسَادِهَا”.
أما السؤال “هل الذي يموت وهو نائم يرى ملك الموت؟”، فيجيب الشيخ محمد متولي الشعراوي: “نعم، فالنائمُ تُقبض روحه كما الميت، لكنها تعودُ إذا كان أجله لم يحن”.
ب. الثقافات القديمة: الأرواحُ تلتقي في عالم الأحلام
في أساطير الإغريق، كان الإله هيبنوس يفتح بوابة الأحلام، حيث تلتقي أرواحُ الأحياء مع الأموات. أما قبائل الماوريّ في نيوزيلندا، فكانوا يعتقدون أن الأحلامَ جسرٌ بين العالمين.
الفصل الثالث: أسئلةٌ وجودية تُقلق النائمين
س: هل تلتقي أرواح الأحياء في المنام؟
في كتابه “الروح عند النوم”، يذكر الدكتور أحمد عمر هاشم قصةً لامرأةٍ رأت ابنها المتوفى في المنام يُخبرها بمكان وصيته. وبعد البحث، وُجدت الوصيةُ حقاً! هل هذا دليلٌ على أن الأرواحَ تلتقي؟ العلمُ يفسرها بـ”التخاطر الذهني”، والدينُ يقول: “الأرواحُ جنودٌ مجندة”.
س: أين تذهب الروح عند التخدير؟
في دراسة لجامعة ميشيغان (2012)، وُجد أن التخديرَ يُوقف نشاطَ القشرة الدماغية، لكن الروحَ – وفق التصور الديني – تبقى مرتبطةً بالجسد، كالنائم الذي لم تحِنْ ساعةُ رجوعه.
الفصل الرابع: عوالم الأرواح.. بين التجارب العلمية والقصص الغامضة
أ. تجارب الاقتراب من الموت (NDEs): النافذة المفتوحة
في عام 2003، دخل باول كوليه في غيبوبةٍ بعد حادث سير، وادعى أنه رأى “نفقاً من الضوء” والتقى بأقاربَ متوفين. العلمُ يرى هنا “هلوساتٍ ناتجةً عن نقص الأكسجين”، لكن الروحانيين يعتبرونها دليلاً على انفصال الروح عن الجسد.
ب. التخاطر في الأحلام: هل تتواصل الأرواح؟
في تجربةٍ مثيرة عام 1980، طلب الباحث ستانلي كريبنر من مشاركٍ أن يحلمَ برسالةٍ بصريةٍ أرسلها له آخر. وبعد 10 ليالٍ، نجح 3 مشاركين في رؤية الرسالة بدقة! هل هذا دليلٌ على أن أرواح الأحياء تلتقي في عالمٍ غير مرئي؟
الخاتمة: النوم.. الرحلة التي لا تنتهي
بينما يصرُّ العلمُ على تفسير النوم عبر موجات الدماغ، يرفع الدينُ رأسه قائلاً: “الروحُ من أمر ربي”. ربما لن نعرفَ الحقيقةَ الكاملة، لكننا نستطيع أن نقول: النومُ هو اللحظةُ الوحيدة التي نعيش فيها “الروح عند النوم” بحريةٍ مطلقة، دون قيود الجسد أو سطوة الواقع.
ففي المرة القادمة التي تنام فيها، تذكر أن روحك قد تكونُ في رحلةٍ سريةٍ إلى عالمٍ لا نعرفُ عنه إلا الأحلام.
ملحق: جدول يلخص رحلة الروح بين العلم والدين
الجانب | العلم | الدين |
---|---|---|
مصير الوعي | نشاط لاوعي في الدماغ | رحلة مؤقتة إلى عالم الأرواح |
الأحلام | إعادة ترتيب الذكريات | رسائل من العالم الغيبي |
التخدير | توقف مؤقت لنشاط القشرة الدماغية | الروح تبقى مرتبطة بالجسد |
مراجع المقال:
- القرآن الكريم، سورة الزمر.
- صحيح البخاري، كتاب الطب.
- دراسة جامعة ميشيغان (2012) حول التخدير.
- مجلة Nature Neuroscience (2018).
- كتاب “الروح” لابن القيم.