آيات القرآن الكريم

سورة المسد: شرح مبسط للمعاني والمفردات

في أرجاء القرآن الكريم، توجد آيات تلقي الضوء على حوادث تاريخية ومواقف معينة تتجلى فيها معاني القوة والحق، تظل تذكارًا للأجيال القادمة. إحدى هذه الآيات الكريمة جاءت في سورة المسد، وهي تفيض بمعاني قاسية تجسد العقاب الإلهي لأولئك الذين عارضوا دعوة الحق، حتى وإن كان الأمر يتعلق بشخص قريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم. نزلت هذه الآية في أبي لهب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجته، لتصبح بذلك درسا بليغًا في التاريخ العربي والإسلامي.

وإذا كانت السورة قصيرة في عدد آياتها، فإنها ممتلئة في معانيها. سنتناول في هذا المقال شرح معاني الكلمات والمفردات الصعبة التي وردت في هذه السورة، سائلين الله أن يفتح لنا أبواب فهم أوسع وأعمق لما يحيط بنا من معانٍ كونية، ودلالاتٍ إلهية.

أسباب نزول سورة المسد وقصة أبي لهب

لقد كانت السورة ردًا حاسمًا على مسار أبي لهب وزوجته، اللذين أعلنا الحرب على الدعوة الإسلامية منذ بداياتها. فبعد أن نزلت الآية “وأنذر عشيرتك الأقربين”، حاول أبو لهب أن يشهر في وجه الدعوة سيف العناد، ليقف ضدها بكل قوة وحقد. ولهذا، فإن نزول السورة جاء ليكون جردًا حسابيًا لهذا الصراع، حيث كل كلمة فيها تأتي لتؤكد مصيرًا لا مفر منه، ولا مهرب من أهواله.

تفسير مفصل لآيات سورة المسد

1. الآية الأولى : “تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ

الكلمات تبدأ بالضربة القاسية، “تَبَّتْ” تتضمن معنى الهلاك المجلجل، هي ليست مجرّد لفظة عابرة، بل هي فصلٌ كامل من الهزيمة. عندما نقول “تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ”، فنحن لا نشير إلى يديه فحسب، بل إلى أعماله، إلى ما اقترفته يداه من شرور ضد الحق وضد المؤمنين. و”وتبَّ” تأتي تأكيدًا لذلك الهلاك، فلا هو نجا من حقده، ولا هو فرّ من عواقب أعماله.

المفردات الصعبة:

تَبَّتْ : تشتق من الجذر “تب”، وتعني الهلاك والفناء التام.

أَبِي لَهَبٍ : هو لقب لعبد العزى، الذي كان يشعل النار في صدور قومه ضد الدعوة.

2. الآية الثانية : “مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبْ

تأتي هذه الكلمات لتذكّرنا أن المال ليس مفتاح النجاة. حتى وإن جمع الشخص أموالًا طائلة، فإن ذلك لا ينجيه من عذاب الله إذا كانت نواياه فاسدة. “ما أغنى” تعني أن هذا المال لن يكون له فائدة، بل سيكون عبئًا ثقيلًا عليه يوم الحساب، فتظهر الحقيقة التي تحجبها الحياة المادية. فكما لم تُغنِ أمواله عنه في الدنيا، فلن تقيه العذاب في الآخرة.

المفردات الصعبة:

– أَغْنَىٰ : من الجذر “غنى”، وتعني توفير الثروة، ولكنها في هذا السياق تعني أن المال لا ينقذ من المصير.

كَسَبْ : تعني الحصول على شيء أو اكتساب الثروة، ولكنه في هذه السورة لم يكن سوى جمعٍ بلا قيمة.

3. الآية الثالثة : “سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ

النار هنا ليست مجرد لهب عادي، بل هي نار جهنم، ذات الشدة والعذاب. إن الله سبحانه وتعالى يصف النار في هذا السياق بأنها “ذات لهب”، ليؤكد أن عذاب أبي لهب سيكون عذابًا مستمرًا، مؤلمًا، لا ينطفئ أبدًا. إن هذه الكلمات تحمل في طياتها تحذيرًا للمؤمنين بأن كل من يعادي الدعوة الإسلامية ويعطل مسيرتها سيلاقي مثل هذا العذاب الأليم.

المفردات الصعبة:

سَيَصْلَىٰ : تأتي من الجذر “صلى”، الذي يعني الدخول إلى النار أو الخضوع لعذابها.

ذَاتَ لَهَبٍ : “ذات” هنا تعني “التي تحتوي على”، و”لهب” هو الحريق الذي لا يهدأ أبدًا.

4. الآية الرابعة : “وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ

أما زوجته، فقد كانت جزءًا لا يتجزأ من هذا الاعتداء، حتى أنها ساعدت زوجها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم. “حمالة الحطب” هنا ليست مجرد صورة حرفية، بل هي مجاز قوي يشير إلى أعمالها التي كانت تضمر الشر. كان الحطب الذي تحمله في طريق النبي ليس مجرد خشب، بل هو رمز للأذى، لكل ما كان يُعرقل الدعوة، لكل حركة تسعى لإطفاء نور الحق.

المفردات الصعبة:

حَمَّالَةَ : تعني أن الشخص يحمل شيئًا، وفي هذه السورة هي مجاز لتلك التي تحمل الأحقاد وتزيد من اشتعال النار.

الْحَطَبِ : الحطب هو ما يضاف إلى النار لزيادة اشتعالها، وهنا يشير إلى الأفعال السيئة التي كانت المرأة تقوم بها.

5. الآية الخامسة : “فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ

وما أشد قسوة هذه الكلمات! “حبل من مسد” ليس مجرد حبل عادي، بل هو حبل مصنوع من الألياف القوية، ويُرمز به إلى العذاب الذي سيحيط بها يوم القيامة. يقال إن هذا الحبل سيُربط حول عنقها، ليكون في ذلك صورة أليمة لحجم العذاب الذي ستلقاه.

المفردات الصعبة:

جِيدِهَا : الجيد هو العنق أو الرقبة.

مَّسَدٍ : الحبل المتين الذي لا يمكن فكه، رمز للقيود والعذاب.

الخاتمة

وها نحن قد فرغنا من شرح هذه السورة، التي كما أظهرت بجلاء، كانت بمثابة حكمٍ إلهي على من وقف في وجه النور. وفي كل كلمة من كلمات السورة دلالة على الحقيقة المطلقة التي لا تقبل المساومة. إن سورة المسد تظل رسالة قاطعة للمكابرين والمصرّين على خطاياهم، فالحقيقة مهما حاولوا إخفاءها، ستظل ساطعة لا تُغطيها أموالهم ولا سلطتهم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى